مهارات التحليل
سقراط العصر الحديث
- جعل تحليلك أكثر صوابية
- ملئ الفراغ الحالي في قطاع الاعلام والبحث
كيف تقوم بـ:
المنجي عبد النبي، صحفي وباحث لا يُسبر غوره. تونسي الأصل عاش معظم حياته في سوريا قبل أن ينتقل إلى مصر، ويزور معظم البلدان العربية ويكوَّن فيها صداقات. وعلى الرغم من أنه مُقلُّ في الكتابة، غير أن لديه نظرة ثاقبة فيما ينشره الآخرون. وفي الوقت نفسه، يشكّل آرائه الخاصة عبر عملية مخصصة تجعل منه سقراط العصر الحديث: يقضي ساعات مع أشخاص عابرين ليسمع رواياتهم، ويستنبط تناقضاتهم ويستكشف البدائل معهم، مستخدماً أداة وحيدة: الأسئلة. واليوم يُفصح المفكر التونسي عن تحليل ملهم لم ينشره أو يتحدث عنه من قبل، سوى في بعض المحادثات الشفوية.
كشخص يقرأ أو يدقق في الكثير مما يكتب حول المنطقة اليوم، ما أهم المواضيع التي نفتقدها في رأيك؟
بالنسبة لي، يشكّل علم الاجتماع الفجوة الأكبر في معظم المنشورات! في هذا الجزء من العالم، نحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى فهم الديناميكيات الاجتماعية في العمل، وهو أمر لا يمكن القيام به دون التخلص من كل أشكال الاستشراق. لقد تغيرت طبيعة القبائل والطوائف بشكل كبير، وشهدت المناطق الحضرية والريفية تحولات عميقة. وبينما تؤثر التيارات الاجتماعية الخفية بعمق في جميع النزاعات، لا زلنا نفتقر إلى تحليل واضح مبني على فهم قوي ومعاصر ومحلي متأصل لها..
ما سبب فشل المطبوعات الأجنبية على وجه الخصوص، والتي تستمر في لعب دور غير متناسب في صياغة الروايات حول المنطقة، في أن تلامس القرّاء المحليين؟
بعيداً عن حاجز اللغة ومسألة ضعف مستوى الترجمة، وهما أمران واضحان، أعتقد أننا نواجه مشكلتين: أولهما، أن خطاب الكُتّاب موجه بشكل أو بآخر إلى الجمهور الأجنبي، الأمر الذي يلعب دوراً في تحديد وصياغة كل ما يقولونه. وبشكل عام، يبدأ المشهد بالعام لينتهي بالخاص، مع التركيز على المواضيع والفئات والمحاورين والتنسيقات الأكثر منطقية في الخارج. ويعتمد الجزء الأكبر من العمل المتاح على لقاءات مع المشبوهين المعتادين ليكونوا بمثابة "مداخل" إلى المنطقة، كالمسؤولين أو المثقفين، لقاءات لا يمكن من خلالها الوصول إلى الديناميكيات الأكثر أهمية في المجتمعات التي تغيرت بشكل يصعب عليها مواكبته.
وتتمثل المشكلة الثانية في ميل النصوص إما لأن تكون قصيرة وضحلة، أو طويلة وغير مشوّقة. وقد تتمتع بعض النصوص بغنى التفاصيل، وبتحليل محنّك معقد، وقد تكون محل اهتمام كبير للناس في المنطقة، غير أنها تفقد جمهورها بسبب عدم صياغتها بالشكل الصحيح. الصيغة هي المفتاح اليوم، ولا يمكنك تجاهل نظام الفلترة والغربلة الذي تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي.
ما تقوله يحدث في واقع الأمر. ومن هنا، كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على طريقة وصول التحليل إلى جمهوره في المنطقة؟
حتى يكون التحليل ذا أهمية وصلة، حسبما أعتقد، ينبغي أن يكون مختلفاً تماماً في كيفية تفاعله مع المعنيين؛ بحيث يكون العمل الميداني أكثر دقة وتفصيلاً وتعمقاً في المجتمعات، وأكثر ديناميكية ومراعاة لعوامل التغيير الجديدة أو حتى تغيرات المزاج. إن أي نهج نخبوي يرتكز على مقابلات رفيعة المستوى ونماذج بارزة واستنتاجات ثابتة سوف ينهار.
ولابدَّ لك أن تكون بارع الذكاء حتى في الطريقة التي تنقل بها تحليلك. ومما لا شك فيه أن العمل المتعمق ضروري لدعم وجهات نظرك، ولكن في النهاية، ما سيصل إلى الجمهور هو رؤى متحفظة وإنما مقنعة: ثلاث فقرات مهمة لها وزن أكبر من الوثيقة ذات العشرين صفحة التي أُخذت منها. وأعتقد أنه ينبغي علينا انتقاء أفضل ما لدينا من أفكار ومشاركتها بشكل فعال عبر نشر نصوص قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما يمكن أن يكون ذلك على شكل مقاطع فيديو مدتها دقيقتان، تُخصص بأكملها لتحليل جانب رئيسي من ظاهرة أو الإجابة على سؤال يدور فعلاً في أذهان الناس.
وغني عن القول أن الصيغة ليست غاية في حد ذاتها؛ فالتفكير السطحي لن يتطور لمجرد نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما سيخسر التحليل الأعمق بالتأكيد جراء عدم نشره. ولا تكمن النقطة الأهم هنا في عدم وصول هذا التحليل للآخرين، وإنما في ضرورة أن يكون التفاعل مع المعنيين، والذين تُعد تعليقاتهم وملاحظاتهم مسألة لا غنى عنها، جزءاً أساسياً من التحليل، ولا سيما في حالة الفوضى والاضطراب التي نعيشها اليوم. وبهذا الارتباط يقارب الباحث أن يكون ناشطاً، ولكني بت مقتنعاً بأن الباحث الذي لا يملك قلب ناشط لن يفهم شيئاً في نهاية اليوم.
23 آذار/مارس 2017
تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من: