مهارات الإدارة
انظرْ بعين ربّ عملك
- كيف تتأقلمُ مع مؤسسةٍ جديدة
- كيف تعزز مصالحك ومصالح فريقك
في هذا المقال:
على خلاف الاعتقاد السائد، فإن من يُبلون بلاءً حسناً في العمل ليسوا بالضرورة أكثرَ الموظفين موهبةً واجتهاداً، فأفضلُ الموظفين؛ على اختلاف صفاتهمُ الأخرى؛ يشتركون في شيءٍ واحدٍ: الانسجام والتأقلم مع مؤسستهم، ويفلحون في ذلك من خلال امتلاك إحساسٍ واضحٍ بكيفية نظر ربّ عملهم إلى دورهم، وكيفية إسهامهم في الآليات الحالية والخطط المستقبلية للفريق. وما فَهْمُ ذلك بالأمر اليسير، بل يتحقق من خلال التجربة، غير أن معرفة بعض الحقائق البسيطة يمكن أن تضعك على السكة الصحيحة في مستهل حياتك المهنية.
بادئ ذي بدءٍ، يجب أن تدرك أنّ مديرك، أو مسؤول الموارد البشرية، أو رئيسك ليسوا ربّ عملك، إنما ربُّ عملك هو المؤسسة نفسُها. والمؤسسةُ كما يوحي اسمها هي مجموعةٌ من الأشخاص "يُمأسسُ" عملهم وفقاً لمجموعةٍ من القواعد والعمليات، فأنتم جميعاً تعملون لصالح هذه البنية غير الشخصية، وتجسّدون تلك المصالح كلٌّ بطريقته. في المؤسسة عادةً ما تطغى شواغل أوسع على الشواغل الشخصية، فأهم شيءٍ هو جعل الأمور تعمل من منظورٍ جماعيٍّ، وهذه الأمور قد تكون المصلحة العامة، أو رفاه الموظفين، أو رضا العملاء، أو استحسان المساهمين، أو الكفاءة الإدارية، أو مزيجاً من بعض ما سبق.
تظهر المشاكل عندما يغفل أعضاء الفريق عن هذا الأمر، إذ يميل الموظفون إلى تطوير علاقةٍ شخصيةٍ بالمؤسسة التي يعملون فيها - وهي علاقةٌ غير شخصيةٍ بطبيعتها، وبالتالي لا يَجدر بهم توقع معاملةٍ بالمثل. وعموماً يرغب المديرون في الحفاظ على علاقاتٍ طيبةٍ مع أعضاء فريقهم، غير أنهم مقيدون بدورهمُ المتمثلِ في خدمة مصالح المؤسسة أفضلَ خدمةٍ، وحتى عندما يشاؤون تجاوُز القواعد، فمن المرجح أنهم سيعيدون تفسير سياسةٍ أو إجراءٍ إداريٍّ ما بما يتلاءم مع أهداف المؤسسة. وفي الواقع يستمد المديرون أنفسُهم القوةَ، سلباً أو إيجاباً، من فهم آليات المؤسسة، لكن لا ينبغي أن نتوقع منهم أن يجعلوا المؤسسة تلائم وتلبي احتياجاتِ الموظف.
مديرك ليس ربّ عملك
وكي تخدم مصالحك في العمل أفضل خدمةٍ، عليك أن ترى دورك جزءاً من الصورة الأكبر، وفيما يلي خمسة مبادئ تشرح كيفية رؤية ربّ العمل الأمور، وربّ العمل هو ذلك الخليط الغامض من المديرين ممن هم أعلى منك منصباً.
غالباً ما يسيء الموظفون فهمَ الإنتاجية بالنظر إليها كأداءٍ فرديٍّ مقارنةً ببقية الزملاء، لكن من وجهة نظر ربّ العمل، تعتمد الإنتاجية على عكس ذلك تماماً: كيف يؤثر وجودك (أو غيابك) في عمل الآخرين. إن الموظف اللامع الذي يتجاهل زملاءه في الفريق يظل آمناً في وظيفته طالما أنه يحقق إيراداتٍ وحسب، وفي المقابل فإن الموظف الذي يُبرز أفضلَ ما في الآخرين هو من يستحق أن تتمسك المؤسسة به، بغض النظر عن إنتاجيته.
2. التكلفة
هي مصدرٌ آخر للتعارض، إذ يميل الموظفون إلى اعتبار التكلفة بأنها رواتبهم مضافاً إليها المصاريف، لكنها لربّ العمل تعني أكثر من ذلك بكثيرٍ. بعض التكاليف واضحةٌ، كالضرائب والتأمين والمعدات والمرافق، لكن غالباً ما تُنسى بعض الأمور الأخرى، كتكاليف التوظيف والتدريب وإدارة الموظفين على الرغم من أنها قد تمثل أكبر التكاليف على الإطلاق.
وثمة أيضاً تكاليفُ خفيةٌ للتغاضي عن أنواعٍ معينةٍ من السلوك، إذ يستنزف الموظفُ المؤسسةَ حين يبدأ بتقويض التسلسل الهرمي أو بالتعبير عن استيائه من خلال التذمر والمماطلة، بدلاً من السعي لحل المشكلات حلاً استباقياً. قد تجبر مواقفُ كهذه ربَّ العمل على الاستغناء عن الموظف بصرف النظر عما لديه من مزايا أخرى.
3. الاتساق
هو أحد أكبر الهواجس لدى صاحب العمل، وهو أمرٌ يصعب على الموظفين فهمه، ففي معظم القواعد داخل المؤسسة استثناءاتٌ نادراً ما يغفل عنها الموظفون، ولذا تراهم يستسيغون الظن بأن كل شيءٍ تعسفيٌّ أو اعتباطيٌّ، غير أن أرباب العمل في الواقع يسعون للحد من هذه الاستثناءات التي تسبب الفوضى، ولذا تجدهم في كفاحٍ مستمرٍّ لتحقيق توزانٍ بين التكيف مع الحالات الفريدة، والحفاظ على شعورٍ بالإنصاف.
كما أن للموظفين دوراً يؤدونه هنا، فالمؤسسة مرآةُ سلوك موظفيها ومواقفهم اليومية، والموظف الذي يصون ثقافة المؤسسة هو من يستحق أن تحرص على التمسك به حتى لو لم يكن أداؤه بالمعنى التقليدي أفضلَ أداءٍ تتمناه.
من يوظفك يؤمن بك
4. الاحتفاظ
مصدرٌ آخر لسوء الفهم، فبعض الموظفين يستهلّون عملهم بموقفٍ دفاعيٍّ، ويتصرفون كما لو أن صاحب العمل على وشك التخلص منهم، الأمر الذي يمكن أن يفسد العلاقاتِ داخل المؤسسة، غير أن أرباب العمل لا يريدون أكثر من الحفاظ على فريقهم، فتسريح الموظفين يزعزع المؤسسة بأكملها وقد يؤدي إلى مسائلَ قانونيةٍ، فضلاً عن الوقت اللازم للبدء من جديدٍ مع موظفٍ جديدٍ.
ولذا تذكّر أن ربّ عملك وظفّك لأنه يؤمن بك، وهو حريصٌ على رؤيتك تفلح في عملك، كما أن أربابَ العمل الأذكياءَ يعلمون ألا وجودَ "للموظف المثالي"، وأنّ أهم ما في الأمر هو تطورك في هذا الدور، ما يعني التعلم من الأخطاء ومن الآخرين، واعلمْ أنه من الصعب جداً على ربّ العمل معرفة المصاعب التي تواجهك، لكن من مصلحته مساعدتك إنِ استجمعتَ من الشجاعة ما يكفي لإعلامه بهذه المصاعب.
5. وأخيراً يأتي الاستبدال، وهو أمرٌ لا يستوعبونه كثيرون. يرى الموظُف في رحيله عن مؤسسةٍ - سواءً طوعاً أو كرهاً - أمراً جللاً، لكن ربّ العمل يرى فيه أمراً روتينياً، فالناس يأتون ويذهبون طوال الوقت. ومثلما قد يكون التغيير الوظيفي مفيداً للفرد، كذلك يمكن للموظفين الجددِ بثُّ الحياة في المؤسسة، والتي لا يسعها الاعتماد على القدامى الملتزمين فقط دون غيرهم.
إن جميع الموظفين فريدون، وعلى عكس القول المأثور، ما من أحد يمكن استبداله، غير أن ما يهم ربّ العمل فوق كل شيءٍ الحفاظُ على استمراريةٍ كافيةٍ للمضي قُدماً بالرغم من الاضطراب الذي سيحدث حتماً حين يغادر أحدهم. إذا غادرتَ فجأةً فقد تفسد ما قمتَ به من عملٍ جيدٍ، فإذا كنتَ تريد أن ترحل بودٍّ، فاجعلْ هذا الانتقال يسير بسلاسةٍ قدر الإمكان بأن تُعْلِم المؤسسةَ مسبقاً، وتقدم مبرراً منطقياً، وتنهي المشروعاتِ الجاريةَ، وتخصص وقتاً لتسليم عملك على نحوٍ احترافيٍّ.
ومثلما أن ربَّ العمل الجيدَ هو من يفهم وجهة نظر الموظف، فإن العكس صحيحٌ أيضاً: فلِكي تفلح في المؤسسة، تعلّمْ أن تأخذ مصالحَها الأوسعَ في الاعتبار، فهذا أفضل سبيلٍ لخدمة مصالحك أنت.
6 نيسان / أبريل 2023
الرسم التوضيحي: "منظورك هو واقعك" بواسطة ناثان دومالو على Unsplash، ومرخصٌ من قبل Unsplash.