مهارات الكتابة
وضع عنوان
- إيجاد العنوان الأنسب لعملك
- توضيح بقية عملك من خلال هذا
كيف تقوم بـ:
نص لا عنوان له هو مبنى لا باب له. كي تدخله تكتفي بمواصلة المشي، أو تتسلل عبر النافذة، وبالتأكيد لن تشعر أنك موضع ترحيب. تصبح قراءته – ناهيك عن تحريره – أشبه بالتعدي على حميمية الكاتب: ما لم يقم بوضع العنوان بنفسه، فلا بد أن النص ما يزال بالغ الشخصية أو الأولية أو خواء الشكل إلى درجة تمنع المشاركة.
بلمحة خاطفة، من العجيب أن يكون وضع العنوان بحد ذاته صعباً. غير أن معظمنا يجود بمئات أو آلاف الكلمات في جسد مستند، ثم يتخبط في إيجاد حفنة كلمات تعرضه بطريقة وافية أمام العالم. إذا كان حُسن الكتابة مهارة نادرة نسبياً، فإن حُسنَ استحداث العناوين أشدّ ندرة.
نص لا عنوان له هو مبنى لا باب له
قد يكمن التفسير في صعوبة الكتابة في المقام الأول. القطع القصيرة الداخلة في صلب الموضوع أصعب مراساً بشكل ملحوظ من تلك الطويلة الهاذية؛ المقدمات مضنية؛ الفقرات الأولى تعذيب محض؛ لا عجب، إذاً، أن نكافح لسكب جوهر النص في أقل من سطر. كل التحفظات والتوجّسات والمثبّطات التي نعاني منها أثناء الكتابة تتواطأ معاً لحجب العنوان عنا، ولتركه فارغاً أمام أعيننا كعلامة استفهام مضمرة: ألن تتحدث كتابتي عن نفسها بأفضل من عبارة تافهة؟ ّعم يدور هذا النص حقاً، بوجه إجمالي؟ وهل هو يستحق أي شيء على الإطلاق؟
على الرغم من أن للعناوين العظيمة هالة ساحرة، إلا أنها كغيرها من أشكال السحر تخفي حيلاً أولية. الأساسيات هي كالتالي:
- نص بلا عنوان لا يجوز، نقطة. لذلك للعنونة الناجعة أهمية بالغة، وهي لن تأتي إلا بالعمل الشاقّ. ارتد قبعة وقفازات بيضاء إذا لزم الأمر، لكن ابدأ الممارسة.
- قد يحمل النص نفسه عدداً لا نهائياً من العناوين الفرعية. استرخِ واستخدم زوائد الكلام الوصفية والشائعة إلى أن تضرب رقم الحظ.
- إذا استمر الوحي في التملص منك، انسحب لتنفيذ عملية استقرائية استنتاجية: قم بإدراج الموضوعات والصور والمفاهيم التي تعرّف قطعتك وابدأ اللعب بالكلمات ذات الصلة. بإزالة أي خيار لا يبدو سيعمل، ستتبقى لك بضعة خيارات تعمل.
- كما تكون الخطوة التالية في كثير من الأحيان، استدعِ أناساً آخرين. لدى البعض براعة خاصة في تسديد ما كتبناه بجملة حتى دون قراءته.
- لا يمكن ولا ينبغي أن يكون هناك إجماع. اتجه نحو ما تفضّله، أو ما ترتاح به أكثر.
- الفشل احتمال قائم. أحياناً عليك تقبل الأمر والتعوّد على عنوان ما فقط لأنه لم يخطر على بالك خيار أفضل. بعض المواضيع أو الصيغ ببساطة لا تصلح لعناوين جميلة ورشيقة. فليكن.
بالطبع، في الوضع المثالي سيكون عنوانك قصيراً ومعبّراً وشيّقاً. لن يقول بالضرورة وبصراحة ما يوجد داخل النص، لكن ينبغي أن يمنح القارئ سبباً مقنعاً يلحّ عليه بالدخول. هذه مسألة للتقدير في كل حالة على حدة، طبعاً. بعض المنشورات الأكاديمية حقاً ستحتاج لجملة بدينة من ثلاثة أسطر، ما يدفعها نحو زاوية علمية صغرى لن يغامر بمقاربتها سوى الزملاء. خبراء السياسة ينتشرون أكثر حين تروّج نصوصهم عبر زوايا ظاهرة ضمن الجدل العام الدائر. بالنسبة للمذكرات والموجزات، تعتبر العناوين الوصفية الطريق الأكثر أماناً وفعالية.
إذا استمر الوحي في التملص منك، انسحب لتنفيذ عملية استقرائية استنتاجية
تقدم الأنواع الأخرى إمكانيات لامحدودة، خاصة حين يهدف العنوان أكثر ما يهدف إلى الإغراء. يمكن صياغته كسؤال، أو ككلام جازم يجدر به التفسير. قد يستحضر قصة على وشك أن تروى، أو يغرف من الحكايات الغفيرة في تنشئتنا الثقافية، والتي غالباً ما تأتي مغلفة باستعارات مشحونة بالعواطف، ما يتيح تحويلها وتشويهها بشتى الطرق والأساليب. وبالطبع، يمكن للعنوان أن يعلن حقيقة جوهرية لها حيثيات عاطفية معينة. لنأخذ مثالاً من سيناپس، كان عنوان «الفاجعة السورية» أحد تلك العناوين التي لا حاجة بها إلى أي كلمة شارحة، والتي ستفقد أكثر مما تكسب لو تلتها جملة إضافية بعد نقطتين.
سيحدّد التعليق التمهيدي الذي تضيفه لنصّك غرض ذلك النص، حرفياً أو معنوياً. إنه بضعة كلمات تخرج بقنطار من الكلمات إلى حيّز الوجود.
31 كانون الثاني/ يناير2017