مهارات الإدارة
إعادة تعريف الإنتاجية
- إعطاء الأولوية للمهام المُنتجة والمفيدة
- تخصيص أربع ساعات يومياً للتركيز على العمل والتقليل من الانشغال
كيف تقوم بـ:
إن من أكبر مباعث القلق لدى المرء حرصه على التحلي بالإنتاجية في نظر ربّ العمل والعملاء والزملاء، وحتى في نظره نفسه، والأهم من ذلك، في نظر المجتمع، لا سيما حين نعمل في مجالٍ يطمح إلى إحداث تأثيرٍ اجتماعيٍ إيجابيٍ. يثير مفهوم الإنتاجية تصوراتٍ عن جودةٍ أكبر واستخدامٍ أفضل للوقت ومردوديّةٍ أكبر وما شابه، ولذا يجب أن يرتبط هذا المفهوم، من حيث المبدأ، ارتباطاً وثيقاً بتحسين ما هو خيرٌ لنا جميعاً، على الأقل من الناحية النظرية.
وأما من الناحية العملية، الإنتاجية هي مفهومٌ غير واضح المعالم، وإشكاليٌ في بعض الأحيان. لقد تطوّرت مكونات الاقتصاد الرئيسة بحيث "تُنتج" ثروةً هائلةً في حين تقلِّصُ المنافع الاجتماعية، فقد باتت المضاربات المالية واحتكارات التكنولوجيا تستحوذ على حصةٍ متعاظمةٍ من الاقتصادات المتقدمة، في حين لا تقدم سوى القليل للصالح العام. كما أن المؤسسات التعليمية تركّز أحياناً على جذب طلابٍ قادرين على دفع أقساطها، أكثر من تركيزها على إعدادهم للحصول على وظائف مأجورةٍ. أضف إلى ذلك أن كثيراً من المهن المربحة ورفيعة المستوى لا تحمل قيمةً تذكر للمجتمع، فيما يبدو أن ظاهرة الانشغال كغايةٍ في حد ذاتها تكبر يوماً بعد يوم. وأما الأنظمة البيروقراطية للغاية، التي باتت تستعمر القطاع الخاص والخدمات العامة على حدٍّ سواء، فهي تضمن أن جُلَّ العمل الذي نقوم به هو "خاضعٌ للمساءلة" من الناحية الرسمية، وذو قيمةٍ متدنيةٍ من الناحية العملية.
وبالتالي يجب أن نواظب على أن نسأل أنفسنا أياً مما نفعله مفيدٌ للآخرين بحق. بعبارةٍ أخرى، ما هي "قيمتنا المضافة" من المنظور الإنساني؟ وللإجابة عن هذا السؤال، من الجيد البدء بالتعريف القديم للقيمة المضافة: تحويل المواد الخام لكي تؤدي وظائف جديدةً، ما يؤدي بدوره إلى تحسين رفاهنا الجمعي. ومن أبرز الأمثلة وأوضحها هو انتقال البشر من الهمهمات إلى اللغة، ومن الحجارة والعصي إلى الأدوات والأسلحة، ومن القمح إلى الخبز، ومن الحديد الخام إلى الجسور الفولاذية. فما الذي نحوّله وما غايته؟
الإنتاجية مفهومٌ غامض المعالم وأحياناً إشكالي
إن قياس القيمة المضافة مسألةٌ إشكاليةٌ عندما يتعلق الأمر بالإنتاج الفكري. والثقافة هي أحد الأسس التي لا غنى عنها في أي مجتمعٍ بالرغم من أن كثيراً من التحف الثقافية (المدرجة في فئاتٍ من قبيل الدين أو الأدب أو الفن أو العمارة أو الإعلان) ستثير أسئلةً مشروعةً حول الفائدة منها ومدى مرغوبيتها حين تُؤخذ كلٌ على حدة. لا يمكن للبحث والابتكار والصحافة والنقد الزعمُ أنها أمورٌ إيجابيةٌ بطبيعتها، بل عليها أن تثبت نفسها.
ثمّة معياران أساسيان قد يساعدانا في تعريف الإنتاجية تعريفاً متماسكاً. الأول هو النتيجة النهائية: ما هي الحاجة الجمعية والمحددة بوضوح التي نحاول تلبيتها؟ هنالك كثيرٌ من الإجابات الممكنة: خلق فرص العمل، أو تقديم تقاريرٍ دقيقةٍ، أو دعم الفئات الضعيفة، وما إلى ذلك. ومن المهم بمكانٍ تجنب التباهي بالسعي لتحقيق هدفٍ معيّنٍ في حين نسعى دونما وعيٍ لتحقيق هدفٍ آخر. في الواقع، إن كثيراً من المؤسسات تَعتبر وجودها غايةً في حدِّ ذاتها، وبذا تتخلّى عن سبب وجودها الأولي والمزعوم، ما يخلق أوجه قصورٍ خطيرةً.
أما المعيار الثاني فينبع من التمييز بين النشاط والإنتاجية. إن جزءاً كبيراً من المهام التي نكرّس أنفسنا لها هي غير منتجةٍ إلى حدٍّ كبيرٍ ما لم يكن لدينا استراتيجيةٌ فعالةٌ لتأديتها، من قبيل الاجتماعات الكثيرة التي يمكن تجنبها، والأنشطة "التواصلية" السطحية، ورسائل البريد إلكتروني غير الضرورية، والإجراءات البيروقراطية التي لا حاجة لها، والمشاركات الإعلامية المدفوعة بالأنا، وغيرها من الممارسات الكثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. يسمحُ بعض المحترفين لما سبق بأن تستحوذ على جُلِّ جداول أعمالهم، ما يخلق تأخيراتٍ وعقباتٍ كبيرةً أمام تقدم العمل الذي يرتبط مباشرةً بالسبب المعلن لوجود مؤسساتهم.
وفي حالة منظمة سينابس، تتلخّص الأنشطة الإنتاجية في العمل الميداني الرائد الذي يهدف إلى تسليط الضوء على مسألةٍ اجتماعيةٍ مهمةٍ، وكتابة منشورٍ يجذب انتباه العامة إلى هذا التحدي، وإعداد وتنفيذ سبلٍ عمليةٍ لمعالجة هذه المشكلة، ورسم وتنفيذ استراتيجيةٍ لتمويل هذا البرنامج، وبناء شراكاتٍ ذات نفعٍ متبادلٍ لهذا الغرض. ولا شكّ أن أية رسالة بريدٍ إلكترونيٍ أو مكالمةٍ هاتفيةٍ أو مؤتمرٍ أو مقابلةٍ أو رحلةٍ ليست ذي علاقة واضحة بهذه المهام والوظائف هي ليست منتجة حُكماً.
من الأهداف المعقولة أن تسعى لأن تكون منتجاً حقاً لمدة أربع ساعات في اليوم على الأقل
بطبيعة الحال، ما من أحد منتِجٌ بشكلٍ منتظم. ولحسن الحظ أن كثيراً مما يُضفي متعةً على الحياة - حتى في السياق المهني - لا يتحدّد بقيمته العملية. وكما ذكرنا في مكانٍ آخرٍ في هذه المنصة، الإبداع هو نتاج الوقت الضائع في أغلب الأحيان. إن تعلّم مهاراتٍ جديدةٍ سيؤتي ثماراً، وإن بعد حين. ليس بوسع المؤسسات الحدّ من العِشرة بين الزملاء، ولا التفاعلات العرَضيّة مع المُوَظفين والعملاء والمنافسين.
تتأرجح الإنتاجية ما بين مدٍّ وجزرٍ، وتتراجع إذا لم نسعَ إلى تحديد وتحقيق أهدافٍ جديدةٍ ومُهمةٍ بانتظام، ما يتطلب بدوره درجةً عاليةً من الوعي والنقد الذاتي. ومن الأهداف المعقولة هو السعي لأن تكون منتجاً حقاً لمدة أربع ساعات في اليوم على الأقل، وملء الوقت الباقي بأنشطةٍ غير منتجةٍ ولا يمكن تجنبها، مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو تمضية الوقت في "التواصل". قد يجادل المرءُ بأن هذه الأمور ضروريةٌ للغاية في عملنا، وهذا صحيحٌ، لكنه يبعدنا عن الهدف، إذ أن من يكرّس نفسه كلياً لهذه المهام ينتهي به الأمر بألا ينتج أي شيءٍ على الإطلاق.
على النقيض من ذلك، وإن بدا الأمر في البداية وكأنه مفتقرٌ إلى الطموح، ستندهش من مقدار ما يمكنك إنجازه بتكريس نصف وقتك على ما هو نافعٌ بحق. وأفضل سبيلٍ إلى ذلك هو البدء بإنجاز المهام الضرورية، في بداية يومك، والانتقال إلى المهام الأقل أهمية حين تفتر همّتك. وبدون ذلك، قد نستمر في الحصول على راتبٍ شهريٍ، لكن منفعتنا الاجتماعية سرعان ما ستضعف وتفقد بريقها.
7 حزيران/ يونيو 2017
Barge haulers on the Volga by Ilia Efimovich on Wikipedia / public domain.