مهارات البحث
نظامك في الحصول على المعلومات
- السيطرة على كمية المعلومات التي تحصل عليها
- الحد من الضجيج
كيف تقوم بـ:
ليس الانتشار الكبير للمنصات الإعلامية وقنوات التواصل، إطلاقاً، مشكلة عصية على الحل. يبدأ ترشيد تلقي المعلومات والبحث عنها بانتقائية، وبأشكال هادفة، بأن يحدد كل واحد منا غاية كل معلومة يسعى إليها؛ وأن يسأل نفسه: ما نوع المعرفة التي أحتاج إليها حقاً لأداء عملي؟ أي المعارف أجده مثيراً للاهتمام من بين ما يظهر أمامي؟ ما أشكال المعرفة التي يمكنني استخدامها عملياً، وفي أي شكل؟ ومن جهة أخرى، ما المعلومات التي لا تضيف الكثير إلى عملي، أو إلى حياتي الفكرية؟
ومن المفيد أيضاً النظر في كيفية تلقينا للمعلومات من الناحية العملية، في أي جزء من اليوم، وعبر أي من الوسائط –الرقمية أم الورقية أم عبر التفاعل مع الآخرين– نحصل على المعرفة المفيدة؟ وأن نتنبّه إلى تلك الأوقات التي نتلقى فيها معلومات تؤدي إلى التشويش، أكثر مما تؤدي إلى الفهم.
تبدأ المعلومات الأفضل بتعريف هدفها
وبالفعل، غالباً ما يشكّل سلوكنا العفوي السائد جزءاً من المشكلة. فمن جهة، نكرّس طاقة كبيرة للنوع الخاطئ من التواصل الداخلي: عمليات بيروقراطية، وما لا يحصى من الرسائل الإلكترونية والاجتماعات، والقرارات الناجمة عن ذلك. ومن جهة أخرى، نتوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعية لمتابعة الأحداث الراهنة، ما يؤدي إلى الاتكال على الآخرين لتحديد ما يهمنا، وهي مهمّة ليس الآخرون، بطبيعة الحال، ملائمين أو مهيئين لتنفيذها.
ويُظهر اجتماع هذين الميلين مفارقة لدينا. إذ بعد استهلاك طاقتنا الذهنية أثناء التمحيص في كل تلك الضوضاء، لا يبقى لدينا سوى القليل من المساحة، المتناقصة على الدوام، للتبادل الثقافي الذي يتطلب منا التمهّل والتركيز، سواء كان ذلك لقراءة مادة طويلة، أو أداء عمل ميداني لائق، أو ممارسة التواصل الإنساني الغني المتمثل في علاقتنا مع أصدقائنا وزملائنا.
ولكن إذا تخلينا عن التعامل مع فكرة «الوقت المتاح» وكأنها سراب لا يمكن نيله، ما الذي يمكننا فعله على أرض الواقع؟ هناك العديد من القواعد الأساسية التي تمكّننا من إتاحة الوقت للمعارف التي نحتاج إليها.
عزل التواصل الداخلي
نبدأ ذلك عبر ترشيد محادثاتنا مع الزملاء. إذ تختلط تلك المحادثات مع كل الأشياء الأخرى (في قائمة الرسائل الإلكترونية)، أو تنتقل إلى المكان الخطأ (مثلاً: غرفة اجتماعات كثيرة الاستخدام، أو ما يوازيها في العالم الافتراضي مثل مجموعة على «واتساب» يجبر فيها الجميع على أحد خيارين: إما قراءة كل شيء، أو الابتعاد ببساطة). ومن البدائل عن ذلك، منصات العمل الافتراضية التي تجمع ميزات تنسيقية متعددة، من المراسلة الفورية إلى مشاركة الملفات، ومنها: سلاك Slack أو مايكروسوفت تيمز Microsoft Teams، أو سايم بيج Same Page.
وبينما من السذاجة التفكير في التخلص من اتصالات البريد الإلكتروني بالكامل، إلا أن هذه ممكنة الاختصار إلى حد بعيد. بشكل خاص جيميل Gmail –الذي يمكنه أن يكون بمثابة واجهة لأي خادم بريد إلكتروني آخر– يحمل ميزات يستحق تعلمها استثمار 30 دقيقة من الوقت. إذ يمكنك، على سبيل المثال، تطبيق ميزة «التصنيف» (labels) و«الفلترة» (filters) لتوجيه كل رسائل البريد الإلكتروني من الزملاء إلى سلسلة رسائل محددة، توازي كل المراسلات الأخرى. ومع قليل من الصبر، يمكنك إنشاء تخطيط لوحة معلومات (dashboard) تميّز الرسائل التي تود إعطاءها أولوية، مثلاً عبر توجيهك إلى رسائل من شركاء أو عملاء بعينهم.
تقنين المحتوى من مصدر مفتوح
تؤدي متابعة البريد الإلكتروني إلى الإرهاق، بالدرجة الأولى، بسبب استخدام المنظمات له بكثافة وقلة فاعلية. لكنه يظل أداة مفيدة لنقل المعلومات القيّمة، إذا تم انتقاء تلك المعلومات بعناية. وكلما انتهجنا أسلوباً أكثر تنظيماً لدى اختيارنا التسجيل في نشرات إخبارية وقوائم التوزيع مثلاً، ازدادت استفادتنا منها: يمكننا تحديد المحتوى الأكثر أهمية وارتباطاً باهتماماتنا لتخفيف الضجيج، وفي الوقت نفسه إضاءة المحتوى الأكثر أهمية، ثم تحويله إلى حافظة (folder) خاصة عبر استخدام «الفلتر». ويمكن النظر في ثلاثة أنواع من المعلومات: معلومات عامة ذات جودة عالية (مثلاً: من صحيفة كبرى)؛ واختصاصات محددة بدقة؛ ومختارات مجمعة مما هو متاح على شبكة الإنترنت بشكل عام، تخضع إلى شكل محدد من المعالجة.
ويمكنك إنشاء تحديثات مصممة خصيصاً لك، باستخدام أدوات مثل موجزات RSS التي تجمع المصادر الرئيسية التي تختارها، والتي يتم تسليمها إلى صندوق رسائلك. وتقدم تنبيهات غوغل خدمة فعالة: إذ تقوم تلقائياً بمسح الإنترنت بحثاً عن المحتوى وفقاً لمعايير محددة مسبقاً، وترسل النتائج يومياً أو أسبوعياً أو بشكل فوري. على المدى الطويل، سوف يمثل تجريب الإعدادات المختلفة ذاك استخداماً آخر مثمراً لوقتك.
استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل سليم
لم يتم تصميم خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعية بهدف تعزيز نظام تلقي المعلومات لدينا، تماماً كما أن الأشخاص الذين نتابعهم لم يكرّسوا أنفسهم لخدمة مصالحنا الشخصية. وتعتمد جودة خلاصتنا على القرارات «التحريرية» التي نتخذها أثناء قيامنا ببناء شبكتنا: مثلاً، كم عدد الأشخاص الواجب تضمينهم، ومن أي نوع، وعلى أي من المنصات، وعلى ما ينتهي. ومع ذلك، ستشمل النتيجة دائماً «ضجيجاً» أكثر بكثير مما تشمل «معرفة»، وهو توازن يمكننا ضبطه عبر العديد من الاختراقات.
تدور المعلومات الجيدة دوماً حول الأشخاص الذين يتحدثون بعضهم مع بعض
عادةً ما يكون فيسبوك غير مناسب للقيام بما يتعدى مناقشات صغيرة مع المجموعات الفرعية المغلقة نسبياً بين المستخدمين. يساعد على ذلك إضافتهم إلى «قوائم» منعزلة لتجنب الإرباك المعتاد الآتي من الأصدقاء الشخصيين، والاتصالات المهنية، واللقاءات العشوائية. ولمتابعة موضوع محدد، تتمثل الأداة الوحيدة المتاحة في الإعجاب بالصفحات، الذي يمكنك على إثره استعراضها في «صفحتك الرئيسية» و«الروابط المختصرة»، والدخول إلى المجموعات، والتي يمكنك عن طريقها ضبط الإشعارات الصادرة عنها.
يجمع موقع تويتر بين ضجيج أعلى وسهولة أكبر في التعديل لأغراض معرفية. ويمكنك بسهولة تجميع الأصوات التي تريد سماعها حول أي موضوع معيّن في «قوائم». ومن الأفضل تصميمها حول عدد صغير من الحسابات الفردية التي تعمم باستمرار المحتوى الذي يهمك، مع الحد الأدنى من التشويش الناجم عن التباهي والمشاحنات. ومن الميزات المفيدة المتاحة هي «كتم» الأشخاص الذين لا يمكنك متابعتهم بسلام. أخيراً، يوفر تويتر إمكانيات بحث متقدمة، مثل غوغل (وعلى عكس فيسبوك)، الأمر الذي يجعله قاعدة بيانات قابلة للبحث بسهولة، ويمكن مسحها بطريقة منهجية.
توفير الوقت والمساحة
لن يحل أي مما سبق مشكلة جرعة المعلومات الزائدة لدينا دون ممارسة الانضباط الذاتي. وليس من الضروري أن يكون ذلك متطرفاً، ولكن علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا. مثلاً: يعد ركوب سيارة الأجرة لحظة مناسبة للمحفزات الرقمية الهامشية، على سبيل المثال. بينما تتطلب قراءة مقال مثير للتفكير أو التعامل مع تبادل بريد إلكتروني قيّم وقتاً خاصاً، ويكون وقته المثالي حين نتمكن حقاً من التركيز والإنتاجية.
وعن وعي أو دون وعي، لدى معظم الناس أجزاء محفوظة من رتابة يومهم لمثل هذه الإدارة الدقيقة للمعلومات. إدراك تلك اللحظات وترشيدها بشكل كامل سيزيد من كفاءتها أكثر بكثير من معمعة التخلص من جميع عاداتنا السيئة كشرط مسبق ضروري «لإيجاد الوقت». وبالإضافة إلى الاختراقات التي سبق ذكرها، استخدم أدوات مثل الإشارات المرجعية للمتصفح –أو مستودعات رقمية أكثر تطوراً مثل تطبيق Pocket– لجمع وتنظيم القراءات الضرورية قبل تخصيص وقت تريد استخدامه بشكل أفضل.
تمييز القيمة والاحتفاء بها
أما الاعتبار الأخير فهو من نوع «مدني»، وقد تكون الاستعارة أفضل طريقة لتوصيفه: ليس تناول طعام صحي مهمة فردية مجردة، إلا إذا اتجهت إلى الزراعة وتبين أنك بارع فيها. ولا تصبح المنتجات العضوية المقبولة التكلفة متاحة على نطاق واسع إلا حين تتغير سلوكيات المستهلكين ومطالبهم في هذا الاتجاه على نحو كاف. ولا يختلف تعزيز نظامنا لتلقي المعلومات، إذ تخلق ممارساتنا الحالية –لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي والأوراق غير المجمعة والبيروقراطية الإلكترونية– محفزات أكثر من أي وقت مضى، تحديداً لنوع المحتوى الذي نشكو منه.
علينا أن نعمل بشكل جماعي، إذاً، على تحقيق التواصل الهادف، حتى إن كان ذلك من باب المصلحة الشخصية. ويجب الاحتفاء بالمعرفة القيّمة بطريقة ما. وسوف يؤدي استثمار الوقت الكافي لتبسيط أشكال تلقينا للمعلومات، أو الإشراف على محتوى جيد أو تعميمه، أو لمشاركة تعليقات مدروسة مع المؤلفين والناشرين، إلى رفع سوية ذاك التلقي بشكل متزايد. وحتى يومنا هذا، تدور المعلومات الجيدة دوماً حول الأشخاص الذين يتحدثون بعضهم مع بعض. نحن نضع قواعدنا بأنفسنا، ولن تأخذ التكنولوجيا منا ذلك ما لم نسمح به.
19 آذار/ مارس 2018