الاستفادة من اللاجئين السوريين

11 كانون ثاني / ديسمبر 2017

لقد أصبح اللاجئون السوريون، ربما الآن أكثر من أي وقت مضى، عنصراً حيوياً في اقتصاد لبنان الهش، ولذا ينبغي على النقّاد أن يتوخّوا الحذر فيما يرغبون، فمغادرة اللاجئين السوريين على نطاق واسع قد تضر أكثر مما تنفع. غنيٌّ عن القول أن لبنان، البلد الصغير ذا الموارد المحدودة، يستحق الثناء والدعم المادي لاحتضانه جيرانه السوريين في وقت حاجتهم بتكلفة باهظة على مجتمعه، فقد أدّى هذا التدفق إلى زيادة الضغط على موارد لبنان في شتى المجالات، بدءاً بالوظائف الأمنية إلى القدرات الإدارية والتعليم والنقل وصولاً إلى استهلاك المياه.

بيد أن السياسيين اللبنانيين سرعان ما راحوا يبالغون في السنوات الأخيرة، فاستخدموا السوريين كبش فداء لجميع الآفات الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، لا سيما الاقتصاد الراكد والبنية التحتية العامة المتدهورة، لكنّا إن دققنا النظر لوجدنا أن هذه الرواية تعاني عيبين صارخين. فمن ناحية، لم يخلق تدفق أكثر من مليون لاجئ منذ عام 2011 الكثير من المشاكل الجديدة بقدر ما أدى إلى مفاقمة المشاكل القديمة، والمتجذرة بدورها في عقود من الحكم المَعيب والسياسة الاقتصادية السيئة. أما من الناحية الأخرى، يميل السياسيون إلى تضخيم الأثر السلبي لتدفق اللاجئين السوريين ويحاولون طمس آثاره الجانبية الأكثر إيجابية.

بيانات جامحة

يثير غياب بيانات دقيقة عن اللاجئين في لبنان التكهنات بقدر ما يؤجج المخاوف. إن من المثير للدهشة، بالنظر إلى الأهمية القصوى لهذه المسألة، استحالة تحديد عدد السوريين المقيمين في لبنان بدقة. في الواقع، علّقت السلطات اللبنانية اعتباراً من 6 أيار / مايو 2015 عملية تسجيل المفوضية للوافدين الجدد وتخلّت عن سياسة الباب المفتوح؛ وبالتالي توقف العدّ الرسمي عند ما يربو على 1.2 مليون لاجئ. يُضاف هذا العدد إلى عدد غير محدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين يُقدر عددهم بين 150،000 و500،000 (على الرغم من أن إحصاءً غير مسبوق من المتوقع أن ينهي هذا الغموض قريباً). لقد دأب الساسة اللبنانيون على التذمر من وجود "اللاجئين" عموماً، وأحياناً يجمعون ضمنياً الوافدين السوريين الجدد مع الفلسطينيين الذين يعيشون في البلاد منذ ما يقرب من 70 عاماً، والذين لوجودهم طويلِ الأمد علاقة بالكاد تُذكَر بالركود الاقتصادي الأخير في البلاد

يوضح التسلسل الزمني أدناه كيف عززت هذه التكهنات الخطاب الشعبويّ الذي اشتد في سياق الانتخابات العامة التي جرت في عام 2018.

  •  كانون الثاني / يناير 2014: زعم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أن 900،000 "لاجئ من منطقة صراع" دخلوا لبنان، وأن هذا العدد "يناهز ربع عدد السكان."
  •  نيسان / أبريل 2014: صرّحت المفوضية العليا للاجئين أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان تجاوز المليون.
  •  أيار / مايو 2015: علّقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسجيل اللاجئين وطالبي اللجوء الجدد. انخفض عدد الذروة البالغ 1.2 مليون بعد ذلك إلى مليون بحلول عام 2017 حيث جرت إعادة توطين جزء من اللاجئين المسجلين رسمياً أو غادروا أو توفوا.
  • أيلول / سبتمبر 2015: قال وزير الخارجية جبران باسيل، في إشارة إلى اللاجئين كعبء، إن الرقم مليون لا يمثل جميع المعنيين: "هناك 1.5 [مليون سوري] ويُضاف إليهم نصف مليون فلسطيني، وبالتالي يمثلون 45-50 ٪ من السكان.
  •  تشرين الأول / أكتوبر 2017: قالت إستير بينزاري، مسؤولة الحماية في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، إن عدد اللاجئين السوريين في لبنان وصل إلى المليون، في حين قالت الحكومة اللبنانية إن الرقم يزيد عن 1.5 مليون، بل وزعمت أن هذا الرقم هو أقلّ من الرقم الحقيقي.
  •  تشرين ثاني / نوفمبر 2017: قال رئيس الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، إن العدد الإجمالي للاجئين من جميع الجنسيات قد تجاوز 2.5 مليون.

مع اقتراب موعد الانتخابات، راح الساسة اللبنانيون يطالبون اللاجئين السوريين بمغادرة البلاد في محاولة لحشد ناخبيهم. في مثل هذا المناخ القابل للاشتعال، غدا اتباع وجهة نظر متوازنة حول ما أصبح يطلق عليه "اقتصاد اللاجئين" أمراً صعباً وضرورياً على نحو متزايد.

تحديد تداعيات الصراع السوري

صحيحٌ أن الحرب الأهلية في سوريا قد وجّهت ضربة قوية للاقتصاد اللبناني، إذ قدّر البنك الدولي؛ في نهاية عام 2015؛ كلفة الأزمة السورية على لبنان بنحو 18 مليار دولار، بيد أن كثيراً من هذا الضرر لا علاقة للاجئين به، وإنما بالآثار الاقتصادية الأوسع للحرب.

يكمن أوضح تأثير في أن الصراع قوّض بشكل كبير صادرات لبنان التي انخفضت بمقدار النصف، أي من نحو خمسة مليارات دولار إلى 2.4 مليار بين عامي 2010 و2015؛ وجاء جزء كبير من هذا الانخفاض في أعقاب إغلاق حدود سوريا الجنوبية مع الأردن في عام 2014، مما أدى إلى إغلاق الطريق البري الذي كان لبنان يشحن عبره البضائع إلى شبه الجزيرة العربية منذ أمد بعيد.

بعبارة أدق نوعاً ما، عطّل الصراع السوري سلاسل القيمة المختلفة التي ربطت الأسواق السورية باللبنانية. على سبيل المثال، انخفض استيراد اللوازم الصناعية السورية الرخيصة بشكل كبير بعد عام 2011 ما أجبر المصنعين اللبنانيين على الاعتماد على مصادر بديلة للمواد الخام، كما تراجعت معالجة لبنان للإنتاج الزراعي السوري؛ وأدت الحرب أيضاً إلى تراجع السياحة، إما بسبب خوف المسافرين من العنف أو بسبب عدم قدرتهم على الجمع بين لبنان وسوريا، وهي صيغة اثنين في واحد كانت قد رسمت جزءاً كبيراً من ملامح السوق قبل عام 2011. والأهم من ذلك أن إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم لن تؤدي إلى معالجة هذه النواقص؛ وسيتوقف أي تقدم في أغلبه على حل ذي مصداقية للصراع ومن ثم إنعاش الاقتصاد السوري.

مغالطة سوق العمل

بصرف النظر عن التوجه العام لربط المشكلات الاقتصادية باللاجئين، فإنّ هنالك مجموعة شكاوى أكثر وضوحاً تزعم أن السوريين تسببوا بانخفاض الأجور وبأنهم يسلبون اللبنانيين الباحثين عن عمل فرصاً هم في أمسّ الحاجة إليها. من ناحية، لا شك أن هذه المظالم تحمل قدراً من الحقيقة: فمما لا شك فيه أن الزيادة المفاجئة في العمالة السورية ذات المهارات المنخفضة والأجور المتدنية قد خلقت منافسة جديدة في سوق العمل في قطاعات ومناطق جغرافية معينة، ما أثر على اللبنانيين حتماً. على الرغم من أن ندرة البيانات والمستويات العالية من العمل الغير الرسمي يحولان دون إجراء حسابات واقعية، بيد أن منظمة العمل الدولية صرّحت في عام 2013 أن المنافسة من اللاجئين السوريين - في المناطق الأكثر تضرراً في لبنان - أدت إلى انخفاض أجور العمال اللبنانيين غير المهرة بنسبة تصل إلى 50%.

من ناحية أخرى، تلقي البيانات الحالية والأدلة السردية بظلال كبيرة من الشك على الفكرة القائلة بأن اللاجئين السوريين قد تسببوا بتغيير جذري في سوق العمل. على سبيل المثال، يتحدث البنك الدولي عن زيادة هامشية فحسب في معدل البطالة بين الشباب ومعدل البطالة ككلّ في لبنان بين عامي 2011 و2017، حيث ارتفع المعدل الإجمالي من 6.2 إلى 7.0٪ ومعدل البطالة بين الشباب من 20.7 إلى 21.8٪ - وهي زيادات لا يمكن أن ننسبها إلى اللاجئين في حد ذاتهم بدلاً من أن ننسبها للمشاكل الاقتصادية الأوسع نطاقاً. تستدعي هذه الأرقام نفس القدر من التشكيك كما هو الحال مع كل الأرقام في لبنان، غير أنها تشير إلى تأثير أدنى بكثير مما يفترضه معظم اللبنانيين.

كما أن هنالك حقيقة بذات القدر من الأهمية وهي أن سوق العمل في لبنان كان ضعيف الأداء حتى قبل الأزمة السورية بوقت طويل، فقد خلقَ لبنان في المتوسط؛ وفقاً لتقديرات البنك الدولي؛ سُدس الوظائف اللازمة لاستيعاب الداخلين اللبنانيين الجدد في سوق العمل في كل عام قبل عام 2011. في ذلك الوقت، تُرجم النمو القومي - الذي اعتمد اعتماداً كبيراً على الخدمات والبناء والتجارة - إلى خلق عدد قليل جداً من فرص العمل، وكانت فرص العمل التي ظهرت في معظمها تتطلب مهارات متدنية. وفي الوقت نفسه، نفّر الاقتصاد اللبناني الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى حد كبير، ولم يحظَ إلا بقدر ضئيل من الإنفاق العام، وعانى من رأس مال خاص مفرط في الحذر، ما أعاق الأنشطة المنتجة، وشجّع على هجرة الخريجين الأكفاء في اقتصاد يعتمد عليهم في إرسال الحوالات بالعملة الأجنبية.

المشكلة الثانية في سردية ​​المنافسة الاقتصادية تتعلق بحقيقة أن السوريين عادة ما يشغلون وظائف لا يريدها حتى اللبنانيون غير المهرة؛ فالسوريون في الحقيقة يتنافسون بشدة على الوظائف مع العمال الأجانب الآخرين، مثل البنغال والإثيوبيين والفلبينيين، في مجالات مثل الزراعة والبناء والصناعة التحويلية أو الخدمات ذات الأجور المتدنية. أوضح مدير مزرعة لبنانية في وادي البقاع أن السوريين هم المرشحون الطبيعيون للعمل تحت إشرافه، حيث يقول: "لا يعمل اللبنانيون في أرض ليست أرضهم، وفي أحسن الأحوال، سيشرف اللبنانيون على آخرين يزرعون أراضي طرف ثالث." ردد هذه النقطةَ حِرفيٌّ لبناني يوظف حالياً عمالاً سوريين في ورشته فقال:" إن غادر السوريون، فسيتعين عليّ الحصول على بدائل من بنغلاديش أو الهند. من المستحيل العثور على لبنانيين مدرّبين تدريباً كافياً؛ وعلى استعداد لأداء عمل من هذا النوع حتى لو كانوا مدرّبين."

هناك نقطة أخرى ذات صلة بما سبق وهي التسلسل الزمني، فقد عمل الكثير من السوريين بالفعل في لبنان قبل عام 2011 في القطاعات التي لا يزالون يعملون فيها، وخاصةً البناء والزراعة والتنظيف والحراسة؛ ونكرر القول أن كمية العمالة الغير الرسمية تحول دون إحصاءات دقيقة، لكن عدد العمال السوريين وفقاً لبعض التقارير - كتقارير منظمة العفو الدولية على سبيل المثال – قد بلغ زهاء نصف المليون في منتصف العقد الأول من القرن العشرين. بمعنى آخر، يشغل كثير من لاجئي اليوم مناصب كانوا قد شغلوها منذ أمد بعيد. الذي تغيّر، في كثير من الحالات، هو أنهم جلبوا زوجاتهم وأطفالهم معهم.

تحفيز الاستهلاك اللبناني

بينما هنالك مبالغة في التأثير السلبي لتدفق اللاجئين السوريين، يتم تجاهل آثارهم الإيجابية كليّاً. أحد هذه التأثيرات الإيجابية هو تحفيزهم للاستهلاك: أدى استقرار أعداد كبيرة من الأسر السورية في لبنان إلى تحفيز الاقتصاد بطرق لم يكن يفعلها العمال السوريون الموسميون قبل عام 2011. في مثال بارز واحد فقط، استفاد قطاع الاتصالات في لبنان من زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في اشتراكات النطاق العريض بين عامي 2011 و2015، وهي نقطة بالغة الأهمية بالنظر إلى أن ضرائب الدخل على شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تشكل إحدى ركائز ميزانية البلديات.

تزعم إحدى الذرائع المتكررة أن هذه الزيادة في الاستهلاك قد أدت إلى تفاقم العجز التجاري، فمقدار 80٪ مما يستهلكه اللبنانيون هو مستورد، ما يعني إن زيادة الاستهلاك تعني ازدياد الواردات، ما يزيد الضغط على ميزان البلاد التجاري. بيد أن الأرقام المتوفرة لا تظهر سوى زيادة طفيفة في حجم الواردات بين عامي 2010 و2015 - بمعدل سنوي متوسط بلغ ​​نحو +0.9% وهو ما يتفق مع التوجه الذي ساد بين عامي 2004 و2010. ومن هنا تتجلى المبالغة في تأثير السوريين على العجز التجاري، في حين أن سبب المشكلة الرئيس هو انهيار الصادرات.

بالإضافة إلى ذلك، يجري تمويل قسم كبير مما يستهلكه السوريون من أموال خارجية، ما يوفر للبنان عملة أجنبية هو في أمسّ الحاجة إليها لشراء وارداته وسداد ديونه العامة التي حُدد معظمها بالدولار الأمريكي. في الواقع، تشكل التبرعات النقدية أو العينية التي تقدمها المنظمات الدولية نحو 40٪ من ميزانية اللاجئين التي يتممونها بالمدخرات الشخصية (التي تشكل 20% من إجمالي هذه الميزانية وفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2013) والحوالات التي يرسلها سوريّو الشتات. منذ عام 2013، أنفق اللاجئون 900 مليون دولار من خلال بطاقات الائتمان التي يوزعها برنامج الأغذية العالمي في المتاجر اللبنانية المشاركة في هذا البرنامج الذي تموله الأمم المتحدة. إذن للسوريين تأثير إيجابي يجري تجاهله على تدفق العملات الأجنبية الضرورية لاستقرار الاقتصاد اللبناني.

هذا لا يعني أن لزيادة استهلاك السوريين تأثير إيجابي على جميع مستويات المجتمع اللبناني، بل إن الضغوط الاقتصادية تتواجد جنباً إلى جنب مع العديد من المنافع التي يجري إغفالها؛ ويتجلى هذا الغموض في قطاع العقارات اللبناني؛ فمن ناحية، كثيراً ما يتذمر اللبنانيون من أن حاجة الأسر السورية إلى السكن قد أدت إلى ارتفاع الإيجارات، ما أثّر سلباً على مواطني الطبقة الوسطى والدنيا. غير أن الطلب السوري حافظ في الوقت نفسه على سوق عقارية مبالغ في قيمتها، سوق تُعد بمثابة ركيزة أساسية أخرى لاستقرار الاقتصاد اللبناني؛ وهي الركيزة التي راحت تُظهر علاماتِ هشاشةٍ متزايدةً لأسباب لا علاقة للاجئين بها البتة. وبالتالي، يجب التمييز بين المظالم الفردية المتعلقة بوجود السوريين، والمنافع الجماعية المختلفة التي ساعدت لبنان على تجنب أزمة اقتصادية كبيرة.

اقتصاد التنمية المزدهر 

كما مر معنا أعلاه، وفّر التمويل الإنساني والتنموي ضخّاً كبيراً للعملة الأجنبية في الاقتصاد اللبناني. فوفقاً لمسؤول كبير في الأمم المتحدة، أنفقت وكالات الأمم المتحدة في عام 2016 ما يعادل 3٪ من إجمالي الناتج المحلي في لبنان. هذا التمويل غير مرتبط باللاجئين حصراً، إلا أن الإسهام العام للأمم المتحدة ارتفع بشكل كبير كنتيجة مباشرة للأزمة. وكما قال أحد كبار المسؤولين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "بدون اللاجئين، ستكون برامجنا أصغر بكثير. لإعطائكم فكرة، أنفقنا 26 مليون دولار في عام 2012، وفي عام 2016 وصل الرقم إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف ذلك." وفي الوقت نفسه، قام العديد من المانحين، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أوروبية بشكل فردي، بزيادة مساعداتهم للبنان على نحو مماثل كجزء من استجابتهم للأزمة السورية. على سبيل المثال، أنفقت المملكة المتحدة نحو 2.5 مليون جنيه إسترليني كمساعدات في لبنان في عام 2010 مقابل 99 مليون جنيه إسترليني في عام 2015.

إلى جانب توفير ضخّ نقديّ كبير، غالباً ما عادت الاستجابة الدولية بالنفع على السكان اللبنانيين المضيفين بشكل مباشر. تحرص معظم المبادرات الإنسانية والتنموية واسعةِ النطاق على دمج اللبنانيين فيها، إما من خلال المساعدة المباشرة أو عن طريق تطوير المرافق العامة مثل البنية التحتية. على سبيل المثال، تعهد الاتحاد الأوروبي بمبلغ 35 مليون يورو بين عامي 2014 و2015 لتطوير برامج إدارة النفايات الصلبة، برامج استهدفت ما يقرب من ثلاثة ملايين مستفيد، غالبيتهم لبنانيون.

هذه الاستثمارات مذهلة بشكل خاص بالنظر إلى فشل الحكومة اللبنانية في إصلاح البنية التحتية المتدهورة، فنظام المياه والصرف الصحي في البلاد يمر بأزمة قبل عام 2011، ولا تزال الحكومة تنفق واحداً بالمئة فقط من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي على الاستثمارات المُنتِجة. هنا يكمن عنصر آخر من الغموض: لقد ضغط اللاجئون على البنية التحتية اللبنانية، إلا أن وجودهم أدى إلى استثمارات في مناطق أهملتها الدولة اللبنانية لفترة طويلة.

تتعلق مجموعة أخرى من المنافع غير المباشرة بالوظائف التي خلقها اقتصاد المساعدات، فمن ناحية، شهدت الفترة منذ عام 2011 تزايد أعداد المواطنين اللبنانيين العاملين في برامج المساعدات التي لم تكن لتوجد لولا تدفق اللاجئين، ومن الناحية الأخرى، يتمتع العاملون الأجانب في المنظمات الدولية بإمكانيات إنفاق عالية في الخدمات والعقارات. لا بد هنا من التذكير مرة أخرى أنّ الآثار غامضة ومتعددة الطبقات: فقد أدى تدفّق العمالة الوافدة بالفعل إلى ارتفاع الأسعار في الأحياء العصريّة مثل مار مخايل في بيروت، إلا أن له أيضاً منافع أوسع نطاقاً وإيجابية لاقتصاد كلّي راكد في أمس الحاجة إلى العملات الأجنبية.

* * *

لقد شهد عامة اللبنانيين تحوّلاً هائلاً في حياتهم اليومية مع التدفق الكبير للاجئين، تدفّق راح يُثقل كاهلهم بطرق ملموسة، فقد رأى بعض اللبنانيين كيف أن فواتير الكهرباء ارتفعت ارتفاعاً حاداً حين راح السوريون يحوّلون الكهرباء سرّاً لإنارة شققهم لأنهم لا يستطيعون التوصيل بالشبكة بشكل قانوني، كما شاهد آخرون فصول أطفالهم الدراسية تكتظ بتلاميذ صغار غير مهيّئين للتعليم الوطني ثنائي اللغة.

هذه المظالم حقيقية، إلّا أنها تشكّل جزءاً من الصورة الكاملة فقط. مع اندماج السوريين اليوم في إطار التوازن الاقتصادي الدقيق في لبنان، يستغلّ السياسيون اللبنانيون وجود اللاجئين على مسؤوليتهم الخاصة. إن طرد السوريين بشكل جماعي من شأنه، في التقدير النهائي، أن يؤدّي إلى حرمان لبنان من الدّعم التي تشتد الحاجة إليه في الوقت الذي تواجه البلاد وضعاً غير مستقر من صنع يديها. سوف تتدفق أموال المانحين والخدمات ذات الصلة إلى أي مكان يوجد فيه سوريون، وسيؤدّي رحيلهم الجماعي السريع إلى تهديد الميزان التجاري الهشّ في البلاد. كما أن رحيلهم سيشكل صدمة كبيرة لسوق العقارات، ما سيستنفر شبح الانهيار الذي ستؤدي آثاره بدورها إلى زعزعة القطاع المالي. في ظل هذه الخلفية، من الأفضل للبنان أن يقمع الإغراء الجماعي المتنامي لطرد السوريين، أو أن يخاطر بخلق أزمة اقتصادية أكثر خطورة من الأزمة التي يقال إن اللاجئين هم سببها.


روزالي بيرتر

شكر خاص إلى آية شمس الدين وجورج حداد على إسهامهما في العمل الميداني المميّز.
قام بترجمة هذا المقال للعربية حسان حساني


تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:

Candido Aragonez de Faria Poule au oeufs d'or by Wikipedia, Golden egg by Pizabay, Feather by ImagesPNG

الطريق الرقميّ إلى المواطنة الحقيقية في لبنان


العودة البغيضة

شقاء السوريين المتنقل


كيف يقوّض الاقتصاد اللبناني نفسه